🔸 خلُق الوفاء 🔸
لقد جاء الإسلام العظيم لتزكية النُّفوس وتطهيرها من كلِّ الرذائل العقديَّة والأخلاقيَّة والسُّلوكيَّة، وبُعِثَ النبيُّ الكريم ﷺ لإقامة التَّوحيد، وإتمام صرح الأخلاق، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ} [الجمعة:٢]، أي: يُطَهِّرُهم "من الشِّرْك، والمعاصي، والرَّذائل، وسائر مساوئ الأخلاق". تفسير السعدي ص (١٥٥).وقال النبيُّ ﷺ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ». [مسند أحمد (٨٧٢٩) - صحيح الجامع (٢٣٤٩)].
🟡 معنى الوفاء:
الوفاء: ضدُّ الغدر، والوفاء: الإتمام، والوَفِيُّ: الَّذِي يُعطِي الحقَّ ويأْخذ الحقَّ.
وأَوْفَى الرجلَ حقَّه ووَفَّاه إِياه، بِمَعْنَى: أَكْمَلَه لَهُ وأَعطاه وَافِيًا. لسان العرب (٣٩٨/١٥).
🟡 الوفاء من أبرز أخلاق الإسلام:
إنَّ من أبرز الأخلاق التي دعا إليها الإسلام الوفاء، ومن أسئلة هرقل لأبي سفيان في شأن النبي ﷺ: "وَسَأَلْتُكَ: بِمَاذَا يَأمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَأمُرُكُمْ بِالصِّدْقِ، وَالصَّلاةِ، وَالْعَفَافِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ". رواه البخاري (٧)، ومسلم (١٧٧٣).
🟡 الوفاء من صفات الله تعالى:
قال تعالى: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:١١١]، "أَيْ: وَلَا وَاحِدَ أَعْظَمُ وَفَاءً بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا} [النِّسَاءِ: ٨٧]، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النِّسَاءِ: ١٢٢]. تفسير ابن كثير (٢١٨/٤).
🟡 والوفاء من صفات الأنبياء:
لقد حلَّى الله أنبياءه بأجمل الصِّفات وأكرم الأخلاق؛ ليكونوا قُدوة للنَّاس، ومنها خُلُق الوفاء، قال تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:٣]، قال قَتَادَةُ: "وَفَّى طَاعَةَ اللَّهِ، وَبَلَّغَ رِسَالَاتِ رَبِّهِ إِلَى خَلْقِهِ". تفسير الطبري (٧٥/٢٢).
وَقَالَ الزَّجَّاجُ -رحمه الله-: "وفَّى إبراهيمُ مَا أُمِرَ بِهِ وَمَا امْتُحِنَ بِهِ مِنْ ذَبْحِ وَلَدِهِ، فعزَم عَلَى ذَلِكَ حَتَّى فَداه اللَّهُ بذِبْح عَظِيمٍ، وامْتُحِنَ بِالصَّبْرِ عَلَى عَذَابِ قَوْمِهِ وأُمِر بالاخْتِتان، فَقِيلَ: وفَّى، وَهِيَ أَبلغ مِنْ وَفَى؛ لأَن الَّذِي امْتُحِنَ بِهِ مَنْ أَعظم المِحَن". لسان العرب (٣٩٩/١٥).
🟡 فضائل وثمرات الوفاء:
الوفاء له فضائل عظيمة وثمرات يانعة يجنيها صاحبها في الدُّنيا والآخرة.
🔸 بالوفاء ينال المسلم الثَّواب العظيم من الله:
قال تعالى: {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:١٠]، هذا الأجر "لا يعلم عظمه وقدره إلا الذي آتاه إياه". تفسير السعدي ص (٧٩٢).
عَنْ قَتَادَةَ -رحمه الله- في قوله تعالى: {فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}، قال: "وَهِيَ الْجَنَّةُ". تفسير الطبري (٢٥٥/٢١).
🔸 والوفاء من أسباب دخول الجنَّة:
قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} إلى قوله: {أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [الرعد:١٩-٢٣].
عَنْ قَتَادَةَ -رحمه الله- قَالَ: "{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} فَبَيَّنَ مَنْ هُمْ، فَقَالَ: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} فَعَلَيْكُمْ بِوَفَاءِ الْعَهْدِ، وَلَا تَنْقُضُوا هَذَا الْمِيثَاقَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَهَى وَقَدَّمَ فِيهِ أَشَدَّ التَّقْدِمَةِ، فَذَكَرَهُ فِي بِضْعٍ وَعِشْرِينَ مَوْضِعًا، نَصِيحَةً لَكُمْ وَتَقَدِمَةً إِلَيْكُمْ وَحُجَّةً عَلَيْكُمْ، وَإِنَّمَا يَعْظُمُ الْأَمْرُ بِمَا عَظَّمَهُ اللَّهُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَهْمِ وَالْعَقْلِ، فَعَظِّمُوا مَا عَظَّمَ اللَّهُ". تفسير الطبري (٥٠٧/١٣).
وقال النَّبِيُّ ﷺ: «اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ». رواه أحمد (٢٢٢٥١)، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع (١٠١٨).
🟡 مجالات الوفاء:
للوفاء مجالات كثيرة وعظيمة، والمسلم الوفي يلزم الوفاء في جميع مجالاته وفي كلِّ أحواله.
🔸 الوفاء بعهد الله:
والوفاء بعهد الله يكون بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، قال تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة:٤٠].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق